On Narrating Gaza
By Guy Mannes-Abbott
[With huge thanks to a, b and m -at least]
غاي مان-أبوت
عندما يتعلق الأمر بالحصارات، فإنه لا بد من الدقة من أجل الج دال حول الأ سبقية. يبدو
المحاصرون في المكان بأكمله، وفي الوقت بأكمله كذلك. المحاصرون هم ذاتهم على الدوام؛ حيوان
قابع في الوقت، وبمروره يأسر المكان، ويتحول المكان إلى وقت بحد ذاته. الهواء خانق، والنهاية
جماعية على كل حال، لكنها لم تقع قيد التفصيل بعد، أنت وحدك في ذلك العمق السحيق. ينتمي
الحصار العسكري إلى عصور سابقة، إلا أنه لا يزال أكثر فجاجة لكي يبقى هناك، أي في غزة.
، غزة، حيث يقبع مليون ونصف شخص -معظمهم من اللاجئين- تحت الحصار منذ حزيران ۲۰۰۷
بسبب جرأتهم على تمني العيش في وقتهم وفي مكانهم. فيما بدأ محاصروهم في ۲۷ كانون الأول
من العام ۲۰۰۸ ، الاحتفال بمطلع العام الجديد مبكراً، منتشين بذروة الاحتفال بهدية من قذائف
الفسفور الأبيض، على مدارس الأطفال التي لجأ إليها الناجون. على مرأى أعين عالم لم يرَ لذلك
.الأمر مثيلاً من قبل
كان ذلك قبل عامين. كنت في المنزل ذاك الصباح، أقرأ رواية، وأنهيت قراءتها في نهاية المطاف
بتصميم يائس، فيما صعّدت دولة إسرائيل من حملتها التي كما سمّاها مريد البرغوثي حينها، حملة
قتل بكل بساطة. مجزرة نموذجية أخرى، ومزيد من السلب من جعبة المسلوبين أصلاً. وعلى الرغم
من أن الفظائع كانت متفردة بتعقيدها، فقد مضت أمام ناظري العالم، وبقي العالم صامتاً، تماماً
كما كان حين فُرض الحصار واستمر ليعاقب الشعب على نتيجة الانتخابات. صمت. لا شيء. بالكاد
قيلت كلمة نقد. لم يكن ثمة شيء ليتبع. هكذا ظل الحال طوال سنتين. القطاع الساحلي المكتظ
بالسكان، والمغلق من حدود مصر من جهة، ودولة إسرائيل من باقي جميع الجهات -التي أفرغت
من المستوطنين حتى لا يتضرر أي إسرائيلي عندما يبدأ القتل- قد اختصر في كلمة واحدة؛ غزة.
غزة تمثل أحدث هجوم تطهير عرقي ضد الفلسطينيين الذين طردوا من سهول فلسطين وحوصروا
في مدينة الميناء، وما يسمى بالقطاع. إذا أردنا فك طيات هذه الكلمة وحدها، فسيكون من شأن
قصتها أن تفصل عنفاً مزمناً فريداً من نوعه، امتد على مدى ستة عقود، مكرراً صوراً لمنازل
مفروشة بجثث الموتى، جدات مقصوصات الظهر وهن يغامرن بحثا عبر الأنقاض، وأطفال ألقوا
على جدار التاريخ. التكرار الذي تَصَعَّد في دوامة نطاقه بدرجة لم يسبق لها مثيل في أي وقت
مضى، ولسبب أقل من أي سبب مضى كذلك. وتأتي مهمة حفظ التاريخ التقليدية هذه، لملء جدران
المكتبات في المستقبل البعيد، بقدر ما تصر إنسانيتنا.
حكايات غزة هي محاولة تأتي في شكل مختلف من السرد، أقرب إلى الحكاية المتمردة. في
جوهرها، يتحدث شعب الكلمة (غزة)، ويظهرون، ويثبتون وجودهم. إنه لمن الضروري لقصصهم أن
تسمع، وهذا هو ما تهدف حكايات غزة إلى أن تبدأه، بدعوة أصوات ورؤى لتشارك في عمل من
أعمال المقاومة عبر قول ما جرى. لقد شهد العالم كله ما حدث في تلك الأسابيع التي امتدت من
شهر كانون الأول إلى وقت أكثر قتلاً من كانون الثاني. ورأوا، وشاهدوا، وعرفوا، ومع هذا، فقد
أصمتتهم كلمة ”غزة”. لم يشكل أمر رؤيتهم لما جرى فرقاً في الواقع. هذه فرصة لإحداث فرق
باستخدام فعل المضارع المستمر للحصول على سرد لا يقف لما جرى ويجري.
ما هو السرد؟ إنه فعل ضم أو جمع، وترحال بين نقاط منفصلة، وأشخاص وأماكن، لربطهم أو
جعل طرقهم تتقاطع، لإضاءة درب يسير باتجاه الفهم، وأفق أبعد حيث تشرق الشمس فوق العدالة.
سرد الحكاية هو فعل يعاكس فعل الصمت، أو الكلمة الواحدة. إنه تعبئة للكلمات، والشعور،
والغضب، والذاكرة. وهو ينطوي على السفر خارج الذات الفردية أو الكلمة الواحدة، تجاه جملة
الآخرين وهي تظهر على الصفحة أو الشاشة. والسرد يحول أرضية الفرد؛ الوحيد، المعزول، وبعيد
المنال، إلى أرضية مشتركة فيها الكثير من الناس، وتحتفي بجماعيتهم.
ينطلق الموقع مع صور وقصائد وقصص ومعانٍ لم ا قد تدل عليه كلمة غزة، ودعوة للمزيد من
أصحاب الحكايات بالانضمام إليها، أو التحدث، أو إظهار قصصهم. عندما أتت دولة إسرائيل
للزيارة ذلك الشتاء المشؤوم، لم تجلب معها سوى الكراهية العمياء، تركت الخراب والموت أينما عنّ
لها أن تحل. وهذا ما تعنيه إسرائيل مع أقل درجة من المراوغة. وكما وصفتها جوديث باتلر مؤخراً؛
”إن إسرائيل في شكلها الحالي غير قادرة على العيش دون آليات السلب والتجريد، ودون تدمير
نفسها كإسرائيل”. وترافقنا هنا صورة شريف سرحان ليد طفل واحدة تخرج من تحت الأنقاض،
من بين صور أخرى، يصبح السرد عبرها ممكناً. ترينا آثار الحرب، بصور محمد مسلم، الخيارات
التي اتخذها جيش الاحتلال وقوته العسكرية؛ حمامات منازل مملوءة بالبراز، ألوان أطفال محطمة
وملقاة هنا وهناك، وديكورات منزلية محطمة، ولوحات وأثاث مرمية ومهانة على الأرض، مساكن
سحقت كلها، وأرصفة وشوارع محطمة هي وكل من غنى عليها سابقاً (في صور شريف سرحان)،
تنضم سوية في تحالفات مفاجئة خلقت إمكانية للقصص كي تروى في النهاية. صورة لوحة ساقطة،
،۰۹- حطمها الرصاص وجعلها فتاتاً، وداستها الأحذية، يدعمها أقوى شعب في العالم للعام ۲۰۰۸
يمكنها الآن أن تستعيد مكانتها على جداري هذا الآن، جداركم أنتم، أينما كنتم. لوحات جديدة
أخرى تنتظركم في أمكنة أخرى في الموقع، للانضمام إلى الأخريات، وللانضمام إلى الأغنية، وإن
كانت حزينة، ليبدأ الصوت في الصدور مرة أخرى.
في الواقع، أغنية حزينة (خمسة أيام تحت القصف) هو اسم قصة أو قصيدة لنجاح عوض الله
تقدم لنا الوضع في غزة من اليوم الأول إلى اليوم الخامس، بشكل رائع. وهي تبدأ ببروفة للحن
تشايكوفسكي الذي يحمل عنوان ”أغنية كمان حزينة” تحت مطر القتل، حين كانت نجاح تقول وداعاً
لمعلمتها، ” قبل انتهاء الحصة”، وفيما بدأت الطيور المعدنية تعزف موسيقاها الخاصة فوق بقايا
غزة” انضمت إلى المقاومة التي تقدمها قواعد النحو في صفحة من كتاب كان يوفر الملجأ. أيام من
الصمت، واختباء وراء الستائر، والابتهاج لاستحالة إخفاء حقيقة هذه ال ”غزة”. في اليوم الخامس
تم إجلاء معلمتها الأجنبية، واستسلمت الموسيقى، فلتمطر الدموع من الآن فصاعداً على ”وحدة
كماني”، هذا السرد المقاوم، الذي ترجمه فادي جودة بجدارة، قد أوصلني إلى الأفق. في مكان
آخر، هناك دليل على الدعم الجماعي لهذا المشروع المهم. يقرأ جون بيرغر-الذي أحيا ذكرى
الشاعر محمود درويش مؤخراً وترجم أعماله- رسالة من غزة، لغسان كنفاني بهمسة متواضعة.
هناك تقارير إخبارية، ويوميات من ناجين، وصور فوتوغرافية التقطها رائد عيسى، لمعرض تم
تدميره هو وما فيه من فن مقاوم، وصور أخرى تصور ما برز من الرماد ليلتقي قطيع الحمم الآتية
من الجحيم، وأخرى لجثث في الثلاجات عائمة في الدم، ورسمة لوجه درويش نجت من الاغتصاب
الذي طال منزل مالكيها، إثر خبطة ذلك الحذاء الكبير على الجزء الخلفي لقماش اللوحة، تلك اليد
ذات الكم الأحمر لطفل ميت ترتفع محاولة الوصول إلى الأفق ذاته الذي يحاول جعل فعل السرد
الملح هذا أكثر واقعية. لعل أكثر الصور لفتاً للانتباه على الإطلاق، هي تلك التي التقطها شريف
سرحان للقتلة خلال طيرانهم. تظهر واحدة من تلك الصور شكل القنابل من الأسفل وهي يتم
إطلاقها على المدينة ذاتها الكثيفة التي نراها في الصفحة الرئيسية لموقع حكايات غزة. صورة
أخرى تكثف غزة بالنسبة لي، في الجهة اليمنى توجد مروحية عسكرية
-باقية في الهواء بواسطة قطع غيار من داعمة بريطانيا ربما- في حين بقيت آثار أربعة خيوط
دخانية للقذائف التي قذفتها محفوظة في مكانها في سماء الصورة. لا أدري ما الذي تمثله بالضبط
لكنني مفتون أكثر بالحرف أو الكلمة التي كانت تكتبها تلك الخيوط الدخانية في السماء المسروقة.
ضبط النفس -أو على الأغلب هي أخلاقيات- صيحة الحرب التي أطلقها الجيش الإسرائيلي أينما
غمس عنفه الوحشي. الموت Ñأو الكراهية هو ما تعنيه تلك الخطوط الدخانية، بالطبع، إلا أنها أُظهرت
بزاوية مختلفة هنا، مع صور مرافقة، وسرد متفاعل، تمت إعادة روايتها وإعادة وضعها في الإطار
ذاته مع نقيضها.
يمثل موقع حكايات غزة المقاومة في الحب الذي يتجلى في الكلمات والصور وفيما تأخذنا إليه تلك
الصور والكلمات. حب لما حملته الأفق من وعود، ووسيلة لتقصير عملية مرور اليوم. إنها وسيلة
لجمع الأعين سوية، ولسماع القصص وهي تروى، وقراءة الحقيقة المشهودة، ورؤية الرعب وعملية
تحوله إلى فن جديد. بالطبع، فإن الضوء الوحيد على أفقنا هو الأفق العالمي، أفق تتشاركه كل
العيون والعقول باسم ما علينا أن نفعله، من خلال روايته بكل وسيلة ممكنة وبأي وسيلة تتاح لنا.
ترجمتها إلى العربية: باسمة التكروري
first!